يُحدث الذكاء الاصطناعي تحوّلا في مجالات إبداعية عدة، من بينها عالم الأزياء، لكن هل هذه التكنولوجيا الآخذة في الازدهار ستكون يوما ما بديلا عن إبداع المصممين؟
ابتكر كالفن وونغ برنامج ذكاء اصطناعي يتولى إدارته مصمم أزياء، ويُعرف باسم "مساعد تصميم الأزياء التفاعلي القائم على الذكاء الاصطناعي" أو اختصارا "أيدا" (AiDA)، وهو أول تقنية في السوق تمكن مصممي الأزياء، من العمل مع الذكاء الاصطناعي لإنشاء تصميمات أصلية.
يستخدم البرنامج تقنية التعرف على الصور للانتقال بسرعة كبرى من مسودة رسم التصميم الأولى إلى مرحلة عرض الأزياء.
ويعتمد البرنامج على الإلهام الأصلي للمصمم وأسلوبه الشخصي لإنتاج إبداعات فريدة، من خلال استخدام العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بما في ذلك تقنية استخلاص الألوان التي يمكنها التمييز بدقة بين أكثر من 2300 لون.
كما يمكن لـ"أيدا" التعرف على إلهام المصمم من خلال صور لوحة التفضيلات الخاصة بكل مصمم، والتي تعتمد على خيارات الألوان ومطبوعات القماش والرسومات لإنشاء مجموعات أزياء جديدة تقريبا في 10 ثوان فقط، مما يقلل من وقت تطوير مجموعة التصميمات ككل.
ويقول وونغ لوكالة الصحافة الفرنسية في لندن إن "مصممي الأزياء يحمّلون على البرنامج رسوم الأنماط المطبّعة والألوان التي يعتزمون استخدامها ومسودة رسومهم الأولى، بعد ذلك، يمكن لأداتنا التعرف على عناصر التصميم هذه وتقديم اقتراحات للمصممين لتحسين تصميمهم الأولي وتعديله".
ويتحدث كالفن وونغ عن أهمية برنامج "أيدا"، وقدرته على أن يقدّم للمصمم "كل النماذج الممكنة" للتصميم الواحد، وهو ما يستحيل من دون الذكاء الاصطناعي.
وعُرضت في معرض "أم بلاس ميوزيزم" في هونغ كونغ خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي تصميمات لـ14 مصمم أزياء أسهمت هذه الأداة في وضعها.
أداة دعم وليس بديلا عن المصمم
ويشدد كالفن وونغ على أن هذه الأداة تهدف إلى "تسهيل وحي" المصممين، لكنها ليست "بديلا لإبداعهم"، ويضيف "يجب أن نولي الأهمية الكبرى للإبداع الأصلي للمصمم".
ويدير وونغ مختبر الذكاء الاصطناعي في التصميم "أيد لاب"، وهو مشروع بحثي مشترك بين الكلية الملكية للفنون في المملكة المتحدة وجامعة هونغ كونغ للفنون التطبيقية، حيث يعمل أستاذا لمادة الأزياء.
ويلاحظ نارين بارفيلد نائب مدير الكلية الملكية للفنون أن تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة الأزياء "سيكون هائلا بدءا من مرحلة ولادة الفكرة والتصميم مرورا بالنموذج الأول وصولا إلى التصنيع والتوزيع وإعادة التدوير النهائية".
ويُعرض أيضا خلال أسبوع الموضة في لندن مشروع "نيو كوتور" الذي يهدف إلى الحفاظ على المهارات والتقنيات المتخصصة التي يستخدمها المصممون. وتُنشئ هذه الأداة نظاما تدريبيا قائما على الذكاء الاصطناعي يسهل تعليم تقنيات الخياطة.
الإبداع تحت السيطرة
إلاّ أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في عالم الأزياء ليس واضحا. وتعترف هيلاري تايمور مؤسسة ماركة "كولينا سترادا" في نيويورك بأنها استخدمت مع فريقها منشئ الصور "ميدجورني" لإعداد تصميماتها التي عرضت في أسبوع الموضة في نيويورك مطلع سبتمبر/أيلول الجاري.
ومع أن تايمور لم تستخدم سوى صور لتصاميم قديمة تابعة لدارها لابتكار مجموعتها لربيع وصيف 2024، فإن مشكلات قانونية يمكن أن تمنع الملابس المولدة بالذكاء الاصطناعي من الظهور على منصات عروض الأزياء.
وتتوقع أمينة متحف التصميم في لندن ريبيكا لوين "أن يثير المصممون قضايا حقوق الملكية الفكرية". وتعتبر أن هذه المسألة "قد تستغرق الكثير من العمل لتنظيمها".
ويرى نارين بارفيلد أن هذه القضية حساسة بالفعل، ولكن يمكن حلها، ورجّح أن تستثمر الشركات في الذكاء الاصطناعي وتتبناه بسرعة إذا كان يوفّر لها ميزة تنافسية، والأمر الوحيد الذي يعيق الشركات حاليا هو "الاستثمار الضخم" في البنية التحتية اللازمة، وفق تقديره.
مخاوف المبدعين
أما على صعيد مخاوف المصممين من أن تحل المعلوماتية محل العملية الإبداعية البشرية، فإن المفتاح، بحسب نارين بارفيلد، هو معرفة من يتحكم في عملية اتخاذ القرار.
ويوضح أن المسألة يمكن أن تُطرح مع استخدام خوارزمية توصف بالجينية، إذ تتيح للحاسوب أن يُنتج استنادا إلى الرسم الأول ألف رسم آخر مختلف عن الأصلي، وهو ما يتطلب لتنفيذه جهدا يمتد أسابيع من المصمم البشري.
ولكن إذا بقي المصمم متحكما بالبرنامج، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفّر فوائد كبيرة من خلال تسريع العملية كثيرا من "دون جعل البرنامج يتخذ القرارات بدلا من المصمم"، بحسب بارفيلد.
إرسال تعليق