من الصعب تخيل اليوم من دون القهوة، فهي تمنحنا الانتعاش، وتشجع الدراسات على جعلها مشروب الصباح المفضل لدينا لغناها بالمواد التي قد تساعد في حمايتنا من مشكلات صحية كثيرة؛ كتلك الدراسة الشائعة التي استغرقت 15 عاما وشملت أكثر من نصف مليون مشارك ووجدت أن شاربي القهوة كانوا أقل عرضة للإصابة بالحالات المزمنة.
والقهوة ليست كافيينا فقط، فهي تحتوي أيضا على مضادات الأكسدة ومواد فعالة أخرى قد تقلل الالتهاب الداخلي وتحمي من الأمراض، وفقا لخبراء التغذية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية.
وفي أواخر الشهر الماضي، ذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية أن رشفات من فنجان القهوة الصباحي يمكن أن تمنحنا أكثر من مجرد دفعة من الطاقة، حتى إن تناول قهوة الإسبريسو قد يقلل خطر بروتين سام يسمى "تاو"، ينمو ببطء في الدماغ مُسببا مرض ألزهايمر.
وعندما يتعلق الأمر بوقت تناول قهوتنا الأولى، ينصح العلماء بتناولها بين الساعة 9:30 و11:30 صباحا، حيث يبدأ مستوى الكورتيزول في الانخفاض؛ بعد أن تكون مستوياته عالية عند الاستيقاظ من النوم بالنسبة لمعظم الناس. والكورتيزول هرمون يتحكم في مستويات السكر في الدم، ويؤثر على الذاكرة وضغط الدم والتمثيل الغذائي، إلى جانب دوره في الاستجابة للتوتر، وارتباطه الوثيق بمستوى اليقظة لدينا.
هل شرب القهوة على معدة فارغة ضار؟
تقول الطبيبة والمؤلفة الأميركية جيل كارناهان إن "الإجابة المختصرة هي لا، فالأدلة العلمية على أن شرب القهوة على معدة فارغة مضر لمعظم الناس قليلة".
ورغم الأفكار الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي بأن تناول رشفة قهوة من دون طعام يمكن أن يضر المعدة، أو يسبب الانتفاخ، أو حب الشباب، أو تساقط الشعر، أو القلق، أو مشاكل الغدة الدرقية أو نوبات الألم؛ فإن الاستمتاع بفنجان قهوة طازج في الصباح يبقى نمط حياة غير قابل للتفاوض بالنسبة لكثير من الناس.
ولحسن الحظ، يمكن للمعدة أن تتحمل جميع أنواع المهيجات بما فيها القهوة، كما قالت أستاذة علم وظائف الأعضاء في جامعة كاليفورنيا الدكتورة كيم باريت لصحيفة "نيويورك تايمز"، وأضافت أن "شرب القهوة على معدة فارغة من غير المحتمل أن يسبب أي ضرر لمعدتك، لكنه قد يؤدي نظريا إلى حرقة المعدة".
ولم تجد مراجعة أجريت عام 2014، شملت 15 دراسة في جميع أنحاء أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، "صلة بين استهلاك القهوة وأعراض حرقة المعدة". لكن دراسة أجريت عام 2020 باستخدام بيانات أكثر من 48 ألف مشارك، أظهرت "زيادة خطر الإصابة بأعراض حرقة المعدة بين شاربي القهوة".
أيضا أخبرت أخصائية أمراض الجهاز الهضمي في ولاية كنتاكي الدكتورة سونانا سوهي صحيفة "هافينغتون بوست" أن "هناك الكثير من الفوائد المرتبطة باستهلاك القهوة فيما يتعلق بالجهاز الهضمي، وشرب القهوة على معدة فارغة ليس سيئا، فيمكن للمعدة عادة أن تتكيف لحماية نفسها".
ماذا عن حموضة المعدة وارتجاع المريء؟
تقول أخصائية الجهاز الهضمي في بوسطن الدكتورة سوبريا راو إن "القهوة بطبيعتها مشروب حمضي، يساهم محتواه من الكافيين في زيادة حموضة المعدة، بسبب تحفيزها إنتاج هرمون الجاسترين المسؤول عن إنتاج حمض المعدة المهم لبدء عملية الهضم".
وتؤكد راو أنه "لن يحدث أي شيء خطير من قبيل أن القهوة تسبب القرحة"، موضحة أن الحموضة المفرطة ليست مشكلة بالضرورة "لأن المعدة يمكن أن تتعامل معها وتحشد الكثير من المخاط ليحميها". وقالت دراسة أجريت عام 2013 على أكثر من 8 آلاف شخص يعيشون في اليابان، إنه "لا وجود لارتباط كبير بين استهلاك القهوة وقرحة المعدة".
لكن الأمر يختلف بالنسبة للمرئ، فهو أقل قدرة على تحمل هذا الهجوم الحمضي، مما يسبب الشعور بعدم الارتياح، حيث أظهر عدد قليل من الدراسات أن "القهوة قد تساهم في استرخاء العضلة العاصرة المريئية السفلية، مما يسمح للطعام بالخروج إلى المريء والتسبب في حرقة المعدة".
أيضا تساهم مركبات الفينولات الموجودة في القهوة في رفع مستوى الحموضة في الأمعاء. كما تنبه خبيرة التغذية سيرينا بون إلى أن "الإضافات الشائعة للقهوة، مثل منتجات الألبان والسكر، قد تسبب أيضا عدم الراحة في الجهاز الهضمي".
لذا، تقول الدكتورة سوهي إن "أي شيء نأكله يتسبب في إنتاج حمض المعدة، لكن القهوة تنتج المزيد منه"، وبالتالي فإن الأمر يتوقف على حالة الشخص، "فإذا شعر بانزعاج أو عسر الهضم أو انتفاخ أو آلام في الجزء العلوي من البطن وغثيان، بعد شرب القهوة على معدة فارغة، فمعنى ذلك أن لديه مشكلة مع هذه الطريقة، يمكن تفاديها بتغيير روتينه الخاص".
نصائح لتقليل أي ضرر
تقول الدكتورة راو "بكل بساطة، شرب القهوة على معدة فارغة يزيد من إنتاج حمض المعدة الذي لا تسبب المستويات المرتفعة منه أي مشاكل لمعظم الناس، لكنها قد تؤدي إلى الشعور بعدم الراحة لدى البعض". وهؤلاء يمكنهم الاستمتاع بقهوة الصباح بعد إضافة كمية صغيرة من الحليب، ويفضل غير المصنوع من منتجات الألبان كحليب اللوز، على سبيل المثال.
ويمكن لهؤلاء أيضا تناول القهوة مع الإفطار دون الحاجة لحرمان أنفسهم من الكافيين، إذ إن تناول الطعام مع القهوة يمنح قدرا من الحماية من تأثير الحمض عن طريق امتصاص بعض السوائل. كما يمكنهم تناول القهوة المنزوعة الكافيين، فهي تُضيف كميات أقل من الحمض، أو شرب القهوة داكنة، فهي تتميز بأنها أقل حموضة. أيضا، يمكنهم شرب قهوة الصباح باردة "لانخفاض حموضتها عن الساخنة"، وفقا لأبحاث.
وأخيرا، قد يكون اختيار مشروب مختلف تماما يحتوي على الكافيين كالشاي، على سبيل المثال، أفضل خيار لمن يعانون من عسر الهضم بعد شرب القهوة على معدة فارغة. حيث تقول الدكتورة سوهي إن "الشاي الأسود أو الأخضر أقل حمضية ويحتويان على كمية أقل من الكافيين".
إرسال تعليق