لا تختلف شروط "أفلام العيد" لدى منتجي هوليود عن غيرهم في العالم، فالفيلم الخفيف المسلي هو الرائج دائما، والإتقان في مختلف عناصر الفيلم بدءا بالإخراج وحتى أداء الممثلين لا يبدو شرطا جوهريا، لكن الإضحاك طابع أساسي فيها.
يحاول صناع السينما الأميركية أيضا وضع أفلامهم في صناديق أنيقة من القيم، وخاصة في موسم عيد الميلاد، الذي يحل في نهاية ديسمبر/كانون الأول، وتنفجر معه شاشات السينما ومنصات البث بأفلام الكريسماس، التي تدور -غالبا- حول القيم الأسرية وضرورة الغفران والحفاظ على روابط الدم.
وفي فيلم "حادثة عائلية غريبة" (Family Switch)، قررت كاتبة السيناريو فيكتوريا ستراوس والمخرج ماك جي إضافة قيمة التحضر المجتمعي عبر الانفتاح على الآخرين والبحث عن مبررات لسلوكهم تحت شعار "ضع نفسك مكان الآخر".
وتدور قصة العمل حول الأبوين، جيس التي تجسد دورها (جنيفر غارنر) وبيل ووكر الذي يجسد دوره (إد هيلمز) اللذين يبذلان جهدهما للحفاظ على التواصل مع ابنيهما "وايت"، الذي يجسد دوره (برادي نون)، و"سيسي"، وتجسد دورها (إيما مايرز)، وقد خطا الصبيان نحو مرحلة المراهقة، وهو ما يتبعه ميل طبيعي نحو الاستقلالية.
ويتسبب لقاء بالصدفة مع عجوز غامضة في تبديل الأجساد بين الأم وابنتها، وبين الأب وابنه، وبين الطفل الرضيع وكلب الأسرة، وفضلا عن كارثية التغيير، فإن ذلك يحدث في واحد من أهم حياتهم، إذ تنتظر الأم اختبارا صعبا، تمهيدا للموافقة على صعود مهني حاسم.
وتلعب الابنة مباراة مهمة في وجود مندوب من المنتخب الوطني لاختيار المتميزين، ولدى الابن مقابلة للقبول في جامعة ييل، كما يشارك الأب في عرض قد يؤهله مع فرقته الموسيقية للعزف والغناء في هوليود.
لعبة قديمة
تكاد تكون لعبة تبادل الأجساد مكشوفة تماما، وأيضا، المفارقات المتوقعة نتيجة لذلك التبديل، ومنها سوء الفهم الناتج عن مخاطبة الابن باعتباره الأب، أو استيقاظ أفراد الأسرة ليجدوا أنفسهم قد ناموا في أَسِرّة بعضهم وغيرها، ورغم ذلك خاطر صناع العمل بالرهان على خفة الأفلام المطلوبة في موسم الأعياد وعلى أسماء الأبطال.
واقتبست فكرة الفيلم من رواية كوميدية للأطفال، كتبتها ماري رودجرز، ونشرت لأول مرة عام 1972. وقدمت في عدد من أفلام، في أعوام 1976، 1995، 2003، و2018. تتناول الرواية يومًا من حياة أنابيل أندروز البالغة من العمر 13 عامًا ووالدتها، اللتين تقضيان اليوم في جسدي بعضهما.
ووجدت فكرة الحلول في الأجساد مجالا واسعا في السينما، وخاصة في أفلام الخيال العلمي، بدءا بفيلم "الشرطي الروبوت" عام 1987 للمخرج بيتر ويلر، وليس انتهاء بسطو الكائنات الفضائية على جسد إنسان واستخدامه للسيطرة على الأرض في سلسلة "رجال في الثقب الأسود" من بطولة ويل سميث.
ويكشف الفيلم عن حالة الرعب التي تعيشها الطبقة الوسطى الأميركية من فقدان الأبناء، والتعرض لحياة الوحدة في الكبر، وهو أمر متعارف عليه مجتمعيا، حيث الأحزان المعتادة لمغادرة المراهق منزل الأسرة.
ثمة دراما فاقعة تقف خلف أزمة العمل، ولكنها لا تقتصر على مغادرة الأبناء لبيوتهم فقط، وإنما في فقدان القدرة على الحوار والتواصل داخل الأسرة الواحدة، إما لافتقاد القدرة على الحوار لدى الأبوين أو للاختلاف الكبير الذي صنعته التكنولوجيا الرقمية.
وكان المشهد الأكثر إتقانا في العمل هو ذلك الذي حاول خلاله الأبوان الاحتفال بأعياد الميلاد مع أطفالهم، لكنهم انصرفوا رافضين للاحتفال، إلى أجهزتهم بين محمول ونظارة رؤية للواقع الافتراضي، وهو رفض لواقع مجتمع ولجوء إلى الخيال بعيدا عن سيطرة ذلك الواقع.
تمثيل أم غناء؟
يقدم فريق الممثلين في العمل حالة أداء مختلفة تماما عما يمكن أن نطلق عليه تمثيلا طبيعيا، فثمة حالة من "الافتعال" سيطرت على أداء الجميع بدءا بالمخضرمة جينيفر غاردنر وانتهاء بالممثل المراهق برادي نون، ولعل ذلك الأداء الذي يحمل قدرا من الصيغة الغنائية والدلال في الحوار والحركة يعود بالأساس إلى تلك المعادلة المتفق عليها سلفا بين صانع العمل وجمهوره، وهي أننا أمام فيلم ترفيهي، قد ينتمي أكثر إلى عروض الأعياد والمناسبات على المسارح أكثر من السينما.
لم يرهق المخرج ماك جي كاميراته بمحاولة صنع بلاغة سينمائية أو جمل بصرية ممتعة، بقدر ما كان يلهث وراء المفارقات التي انعكست على أجساد ممثليه في تقمصهم للآخرين، فالفتاة تعاني من ارتداء حذاء ذي كعب عال اضطرت له لحضور مناسبة تخص الأم لأنها على صورتها، والابن في جسد الأب لا يستطيع أن يواكب الأسرة في الجري، ويسقط على الأرض متألما بعد خطوات قليلة.
لم تنجح التجربة تبادل الأجساد حتى قرب نهاية العمل في إزالة الأزمات الأسرية، التي تتلخص في رغبة المراهقين في الاستقلال، وترك الأسرة، ولم تنجح محاولات الأسرة في اجتياز الاختبارات الأربعة سواء في كرة القدم أو الترقي في العمل أو الالتحاق بجامعة ييل، وهو فشل طبيعي تماما، لأن الجسد باعتباره شكلا للإنسان لا يمكن أن ينفصل عن المحتوى الذي يشكل الصفات الشخصية والخبرات المطلوبة للحياة.
ورغم ذلك، يقرر صناع العمل القفز فوق المنطق، والدفع بحلول درامية خيالية وضعيفة مع ثلاثة من أفراد الأسرة، فرغم الفشل في العرض التقديمي للأم في عرض مشروعها، تنجح، ورغم كارثية أداء الابنة شكلا أي الأم موضوعا في مباراة كرة القدم الحاسمة، يعجب كشاف المواهب بأخلاقها، فيقرر منحها فرصة أخرى، وينجح الأب في الوصول إلى متعهد هوليودي عبر مصارحته بحقيقة الحادث الأسري الغريب الذي أدى إلى تبديل الأجساد، بينما ترفض جامعة ييل القبول بالابن.
فكرة نبيلة
لعل الفكرة النبيلة التي أراد صناع العمل الحث عليها، وهي أن يضع الإنسان نفسه في مكان الآخر، ليلتمس له الأعذار ويفهم دوافعه، هي أجمل ما في العمل، لكن تقديمها في موسم أفلام الكريسماس أدى إلى استسهال في صناعة العمل نفسه.
يبقى أن إشارات الفيلم إلى تلك العلاقة التكاملية بين أفراد الأسرة هي ما يميز العمل، إذ يفاجأ الأب عند ذهابه وهو في جسد ابنه إلى المدرسة، بتنمر زميل له عليه بشكل معتاد، ولأن ذلك الأب كان وجها بارزا في مدرسته الثانوية قديما، فإنه يتعامل مع الموقف بمهارة وقوة تنتقم لابنه وتحميه التنمر فيما بعد.
ورغم النصيب الأكبر للعلاقة بين الأم وابنتها فإن التفاصيل شبه الكوميدية لم ترقَ لمستوى الإضحاك، واستهلكت في مفارقات شبه محفوظة وليست متوقعة فقط.
إرسال تعليق