أخيرا وبعد توقف شبه تام منذ الموسم الرمضاني الماضي، عادت المسلسلات المصرية بجرعات مكثفة ومتزامنة إلى الشاشة الصغيرة، مما أعاد الجدل الدرامي إلى منصات التواصل الاجتماعي وبدأت المقارنات، خاصة وأن المسلسلات التي استأنفت عرض الموسم الثاني منها تنتمي جميعها لنوعية القصص المنفصلة القصيرة، التي يتراوح عدد حلقاتها بين 5 و10 حلقات للقصة الواحدة، قبل أن يبدأ عرض حكاية جديدة بطاقم فني مختلف.
"كدبة كبيرة"
"كدبة كبيرة" هو عنوان الحكاية التي عاد بها صناع مسلسل "ورا كل باب"، التي أسندت بطولتها إلى أحمد زاهر وهنادي مهنى. وقد دارت أحداثها حول ممثل يقرر العودة للسينما بعد غياب بفيلم كوميدي، لكنه يفاجأ بالممثلة الصاعدة التي ستشاركه البطولة تختلق تفاصيل غير حقيقية وتنشرها على منصات التواصل للفت انتباه الجمهور.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبعد عرض “ليه لأ-2”.. رواد منصات التواصل ينقسمون حول فكرة “الاحتضان”
أنقذ المسلمين من محاكم التفتيش.. تعرف على أشهر بحار عثماني في المسلسل الجديد “الأخوان بربروس”
عودة “شركة المرعبين المحدودة”.. ديزني تعود بمسلسل لإضحاك الأطفال بدلا من إخافتهم
أسامة أنور عكاشة.. الكاتب الذي أصبح بطل مسلسلاته الأول
وحين يعترض ويتهمها بالكذب، تلفق له تهمة التحرش بها، وهو الخبر الذي سرعان ما يصبح حديث الجميع من دون التحقق من صحته، بل إن البعض ممن يبحثون عن "الترند" (القضايا الأكثر تفاعلا) يبدؤون الادعاء بقربهم من النجم لكي تستضيفهم البرامج وينالوا بعض الشهرة.
وأمام ذلك التشهير يعود النجم إلى بلدته، فإذا بأهله والمقربين منه ينقسمون بين مصدق ومكذب، الأمر الذي يسلط الضوء بوضوح على أزمة نعيشها مجتمعيا بالسنوات الأخيرة.
وبقدر ما جاءت الحبكة معاصرة ومهمة وتتماس مع مشكلات حقيقية تعرض لها بعض المشاهير مؤخرا، إلا أنها قُدمت بكثير من الاستسهال والمباشرة، في ظل أداء تمثيلي باهت وسيناريو وحوار شديد السطحية.
ويبدو أن التأثر بمنصات التواصل بات قضية تشغل صناع العمل، مما يبرر تمحور القصة التي تلت ذلك وهي "عائلة جيجي" حول أسرة من أم و3 أبناء يعيشون حياتهم بأكملها على منصات التواصل، ويستغلونها للتربح اعتمادا على التحديات المزيفة والمواقف الطريفة التي تجذب المتابعين.
حتى أن الابن الأكبر يترك دراسته مكتفيا بالدخل الذي يحققه عبر الفيديوهات والإعلانات، في حين ترفض شقيقته مرافقة زوجها إلى الخارج خوفا من الابتعاد عن الأضواء وفقد جمهورها، وهي الحبكة المهمة كذلك التي قُدِّمت بكثير من التلقائية وخفة الظل، متفوقة بعض الشيء على القصة التي سبقتها.
قضايا نسائية
المسلسل الثاني هو "زي القمر"، وحملت الحكاية الأولى من الموسم الجديد اسم "غالية" ولعبت بطولتها درة، إذ قدمت شخصية امرأة ثلاثينية تعمل مدرسة موسيقى وعازفة في الأوبرا، اضطرت لظروف صحية استئصال الرحم، مما يقلل فرصها بالزواج.
إلى أن يرشّحها زوج شقيقتها كعروس محتملة إلى رجل يعمل في الخليج ولا تهمه مسألة الإنجاب، ليبدأ الاثنان بالتعارف. ومع توالي الأحداث يوكل العريس مهمة عقد القران إلى أحد أصدقائه على أن تسافر العروس إليه لاحقا.
ما لم يحسب حسابه أحد، مرض والد البطلة ثم ترشحها للعزف في عرض شديد الأهمية وطالما كان حلمها المشاركة به، مما يُحتّم عليها تأجيل السفر. وهنا يقع الخلاف الأول بين الزوجين، قبل أن تكتشف البطلة زواج البطل من أخرى في الخارج وإنجابه منها بدون أن يخبرها، فتصل الأمور لطلب الانفصال. وأمام رفض الزوج، تجد البطلة نفسها مجبرة على اللجوء إلى القضاء.
بتأمل قصة "غالية" نجدها قد استعرضت قضية شائكة ومهمة حيث الزواج عن بعد من دون تعارف حقيقي بين الشريكين، والدور الذي يلعبه "الإنترنت" باعتباره وسيلة للتواصل قادرة على الخداع، والثراء المادي المحتمل الذي يُعمي أعين الطامعين.
ويمكن القول إن درة حاولت تطوير أدائها هذه المرة، بعد الانتقادات الكثيرة التي وجهها إليها الجمهور والنقاد إثر بطولتها للحكاية الأخيرة من الموسم الأول لمسلسل "إلا أنا"، فجاء العمل هنا مقبولا، وإن ساعدت قصته على رفع مستواه ونسب مشاهدته.
أما القضية الحالية التي تدور حولها الحكاية الثانية من العمل نفسه والتي تحمل اسم "وأنا قبلت" وتقوم ببطولتها أيتن عامر، فهي شديدة الأهمية أيضا وتُرفَع القبعة لصناعها، إذ تحكي عن امرأة بالسادسة والثلاثين من عمرها، أجبرها أهلها وهي في سن صغيرة على الزواج من رجل يكبرها بربع قرن.
وحين تنال حريتها أخيرا وتنفصل عنه، تقع بحب شاب بالسادسة والعشرين، الأمر الذي يجعل أسرتها وأسرة الشاب تحاربان علاقتهما، لكنهما يتزوجان على أي حال، بينما يظل الجميع يحاول تخريب حياتهما.
هل ينتصر الفن على المضمون؟
المسلسل الأخير هو "إلا أنا" الذي حقق نجاحا هائلا بموسمه الأول، ويعود مع حكاية "بيت عز" من بطولة سهر الصايغ وتامر نبيل وسلوى علي ورشدي الشامي.
وهي دراما اجتماعية تستعرض حياة أب وابنته بعد وفاة الزوجة التي طالما تحملت مسؤولية الاثنين، فيبدؤون بعد رحيلها -وبمساعدة الخطابات التي تركتها لهم- استكشاف بعضهما بعضا، ومساندة كل منهما الآخر لتخطي الشعور بالوحدة والفقد.
ومع أن القصة هنا قد تبدو عادية، أو ليست بالقوة نفسها أو المعاصرة التي ركزت عليها المسلسلات الأخرى، لكنها تفوقت فنيا سواء من حيث التمثيل أو الإخراج أو التصوير، فهل يصبح النصر الأكبر للفن أم المضمون؟
إرسال تعليق