هل لاحظت أن الأغنية التي أعجبتك مؤخرا تتردد في كل مكان، هل صار الكثيرون فجأة يرتدون قطعة الملابس ذاتها التي اشتريتها للتو؟ ربما هي ليست مصادفة، وإنما تأثير يدعى "بادر ماينهوف"، الذي يتملك الكثيرين حول العالم حين يلاحظ المرء شيئا ما، ثم يجد أنه يظهر بشكل متكرر في الأيام، أو الأشهر التالية.

وبينما يتم اعتبار هذا التأثير دليلا على نظرية المحاكاة والأكوان الموازية، يعتبره البعض الآخر مجرد انحياز معرفي ووهم، لذا إليك الحقيقة حول تأثير "بادر ماينهوف".

التسمية

يعود اسم "بادر ماينهوف" إلى جماعة يسارية متطرفة دبرت لعدد من عمليات التفجير والاختطاف والاغتيال في ألمانيا الغربية، قبل أكثر من 50 عاما، إلا أن الجماعة التي اشتهرت في حقبتي الستينيات والسبعينيات، عاد اسمها ليظهر مرة أخرى في مقالات لكاتب يدعى تيري مولن عام 1994، حيث ادعى أن اسم الجماعة المتطرفة صار يظهر من جديد في أماكن عديدة وبصور مختلفة.

وهو ما أيده القراء الذين راحو يرسلون إلى الجريدة عبر بريد القراء شهاداتهم على الطريقة التي تكرر بها ظهور اسم الجماعة بصور مختلفة حولهم، في الصحف والتلفزيون، وأحيانا في الشارع، ومنذ هذا التاريخ صار لاسم "بادر ماينهوف" معنى جديد يرتبط بالظهور المتكرر للأشياء.

وهم التكرار

يطلق على تأثير "بادر ماينهوف" أسماء عدة مثل وهم التكرار، ووهم التردد، وانحياز الاهتمام الانتقائي، وفي أحيان أخرى يسمى متلازمة السيارة الحمراء أو متلازمة السيارة الزرقاء، لكن في كل الأحوال، يبقى التعريف واحدا، بأنه الوعي المفاجئ بكلمة، أو عبارة، أو حقيقة، أو شيء لم يتعلمه المرء إلا مؤخرا.

هذا يعني أنه حين يقرر المرء شراء سيارة حمراء، أو زرقاء ليتميز عن الآخرين، فإنه يقابل عقب قراره عددا أكبر من السيارات الحمراء، والزرقاء، لأنه منذ لحظة اتخاذ القرار صار عقله ينجذب تلقائيا إلى السيارات التي لها نفس اللون.

الخبراء ينصحون بضرورة الوعي بتأثير بادر ماينهوف، تجنبا لعدم الانسياق معها (بيكسلز)

أكوان موازية

بحسب نظرية الأوتار الفائقة، فإن للكون أبعادا تسعة، وليس ثلاثة فقط، وأنها أبعاد أعلى من أبعادنا، يمكنها أن ترانا ولا نراها، وتدركنا ولا ندركها، وعليه يرى المؤمنون بحديث الكون إليهم، أن تكرار الإشارات والعلامات، أيا كانت صورتها، ليست سوى شكل من أشكال التواصل بين العوالم المتوازية.

فوائد مذهلة لوهم التكرار

يبدو تأثير "بادر ماينهوف" مفيدا أيضا في مجال التسويق، حيث يتم استغلاله خلال عمليات الإعلان عن بعض المنتجات، فبحسب الدراسات، كلما زاد تركيز ووعي المرء بشيء ما، زادت احتمالية رغبته في الحصول عليه، وهي الفكرة التي تعتمد عليها وسائل التواصل الاجتماعي، حين تتم كتابة كلمة معينة في صندوق البحث، فتبدأ كل الإعلانات الواردة مرارا وتكرارا تدور حول الأمر في محاولة لدفع المستخدم لسحب بطاقته الائتمانية، بحسب موقع "هيلث لاين".

كانت أشهر تجارب التسويق باستخدام تأثير "بادر ماينهوف"، ما قدمته شركة كوكاكولا منذ بدأت في الإعلان عن منتجها يوم عيد الشكر عام 1950، وحتى الآن، متخذة سياسة الحملات الإعلانية المكثفة للتفوق على منافسيها، إيمانا بمبدأ أنه كلما تعرض المستهلك لإعلاناتها، زاد استهلاكه لمنتجاتها.

وهو ما تحقق فعلا على مدى السنوات اللاحقة، وصولا إلى عام 2022، حيث حققت كوكاكولا إيرادات تزيد على 43 مليار دولار وأكثر من 9.5 مليارات دولار صافي ربح، متفوقة على منافستها بيبسي.

طرق لتوفير المال عند التسوق عبر الإنترنتOnline shopping.
تأثير بادر ماينهوف يستخدم في مجال التسويق خلال عمليات الإعلان عن بعض المنتجات (غيتي)

هل رأيتَ ما رأيتُ؟

برغم الفوائد التسويقية لظاهرة "بادر ماينهوف" وتأثيرها على اتخاذ القرارات، وأنها أيضا غير ضارة في العموم، فإن المفاجأة بشأن تلك الظاهرة أنها تعد بحسب عالم النفس كريستوفر هيتشز أحد أشكال الذهان الخفيف، لذا يصير الأمر جديا إذا ما أصاب هذا التأثير بعض المصابين بأمراض عقلية بالفعل.

وعلى رأس هذه الأمراض العقلية الفصام المصحوب بجنون العظمة، أو تلك الأمراض التي يكون المصابون بها قابلين للإيحاء بدرجة كبيرة، حيث يضخم الشخص أهمية التكرارات، ما قد يؤدي إلى إيجاد رابط بين أمور غير منطقية، والشك في أنه يتم التحكم فيه، أو التحدث إليه من قوة أعلى أو صوت خارجي.

تسيطر ظاهرة "بادر ماينهوف" على الناس في كواليس العمل والحياة اليومية، حتى لو لم يكن الشخص مريضا بمرض عقلي، لذا ينصح الخبراء بضرورة الوعي بالظاهرة، تجنبا لعدم الانسياق معها، حيث ثبت وجود صلة بين تأثير "بادر ماينهوف" والقلق، وتأكيد الشكوك، حتى تصير حقائق لدى البعض.

المصدر : مواقع إلكترونية

Post a Comment

أحدث أقدم