مع نهاية عام حرج شهد الكثير من الحوادث المناخية القاسية من حرائق غابات وموجات جفاف وفيضانات مدمرة، ووصلت فيه درجات الحرارة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، اختتمت الدورة 28 من مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب 28) أعمالها في مدينة إكسبو دبي بدولة الإمارات، الدولة النفطية التي تعد ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك.
ووافقت الدول الأطراف في الاتفاقية على خارطة طريق بهدف التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، وذلك في ختام يوم إضافي من جدول أعمال المؤتمر شهد مفاوضات مكثفة امتدت حتى وقت متأخر من الليل، وتمحورت هذه المفاوضات حول ما إذا كانت الوثيقة النهائية ستتضمن دعوة إلى "الخفض التدريجي" أو "التخلص التدريجي" من الوقود الأحفوري بعد أن فشلت في ذلك في الموعد المقرر، إذ واجهت مقاومة قوية من الدول المنتجة للنفط والتي ترى إمكانية خفض الانبعاثات دون الاستغناء التام عن المصادر الأحفورية.
وهذه هي المرة الأولى التي تتناول فيها مؤتمرات المناخ بشكل مباشر مسألة التحول عن استخدام الوقود الأحفوري المسؤول عن الاحتباس الحراري في كوكب الأرض، وهو مطلب رئيسي من جانب العديد من البلدان في محادثات هذا العام.
وخلال ثلاثة عقود من محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ، لم يسبق أن تعهدت الدول الأطراف بمثل هذا الوعد الحاسم على الرغم من أن الكثيرين حذروا من أن الصفقة لا تزال بها عيوب كبيرة.
ووافق على الاتفاقية 197 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد طرح مسودة لها في وقت سابق من الأسبوع أثارت غضب العديد من الدول، لأنها لم تأت على ذكر "الخفض التدريجي" أو "التخلص التدريجي" من النفط والفحم والغاز، على الرغم من أن الاتفاق النهائي لم يشر أيضاً إلى ذلك ومنح الدول مساحة كبيرة للمناورة في انتقالها بعيداً عن أنواع الوقود الأحفوري هذه.
اتفاق كوب 28
يتضمن "كوب 28" أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف المحددة في اتفاق باريس، وهي الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية في نهاية القرن مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، واستعراض التزامات الدول في خفض الانبعاثات كل خمس سنوات، وتوفير التمويل المتعلق بالمناخ للدول النامية.
وتُسلِّم الوثيقة النهائية لاتفاق كوب 28 بأن الوصول إلى هدف اتفاق باريس بالحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية دون تجاوز أو تجاوز محدد يتطلب إجراء تخفيضات عميقة وسريعة ومستمرة في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 43% بحلول عام 2030، و60% بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى عام 2019، والوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2050.
لكن الاتفاق الجديد لا يلزم الدول بالتخلص التدريجي تماما من الوقود الأحفوري، بل يدعو الدول الأطراف إلى اتخاذ ثمانية أنواع من الإجراءات لتحقيق التحول الطاقي بعيداً عن الوقود الأحفوري وهي:
- أولاً: مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم ثلاث مرات، ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030.
- ثانياً: تسريع الجهود الرامية إلى الخفض التدريجي للطاقة المعتمدة على الفحم.
- ثالثاً: تسريع الجهود العالمية نحو أنظمة طاقة خالية من الانبعاثات، واستخدام الوقود الخالي من الكربون والمنخفض الكربون قبل فترة كافية من منتصف القرن الحالي.
- رابعاً: الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، وتسريع العمل في هذا العقد الحرج، وذلك لتحقيق صافي الصفر بحلول 2050 بما يتماشى مع العلم.
- خامساً: تسريع وتيرة التقنيات الخالية من الانبعاثات والمنخفضة الانبعاثات، بما في ذلك تقنيات الطاقة المتجددة والطاقة النووية وتقنيات الخفض والإزالة مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، لا سيما في القطاعات التي يصعب تخفيفها، وإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون.
- سادساً: تسريع وخفض الانبعاثات الأخرى غير ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير على مستوى العالم، بما في ذلك وعلى وجه الخصوص انبعاثات غاز الميثان بحلول 2030.
- سابعاً: التعجيل بخفض الانبعاثات الناتجة عن النقل البري على عدة مسارات، بما في ذلك تطوير البنية التحتية والنشر السريع للمركبات عديمة الانبعاثات ومنخفضة الانبعاثات.
- ثامناً: الإلغاء التدريجي في أقرب وقت ممكن لإعانات الوقود الأحفوري غير الفعالة والتي لا تعالج فقر الطاقة أو التحولات العادلة.
ما الذي تحقق أيضاً؟
حقق كوب 28 إنجازا تاريخيا في أول أيام عمله، مع الإعلان عن تنفيذ صندوق "الخسائر والأضرار" الذي نجح بجمع نحو 800 مليون دولار أميركي، وهو مطلب طال انتظاره وأُعلن عنه في مؤتمر شرم الشيخ في مصر العام الماضي لتعويض الدول المتضررة من آثار تغير المناخ والأقل تسبباً بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وسيتولى البنك الدولي إدارة الصندوق الذي قد يدخل حيز التشغيل في غضون أقل من ثلاثة أشهر.
وأعلنت الإمارات إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، والذي صمم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بكلفة مناسبة، ويهدف إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030.
ووصلت حصيلة المؤتمر إلى حشد أكثر من 85 مليار دولار لدعم صناديق تمويل العمل المناخي في مجال الطاقة والاستثمار في الاقتصاد الأخضر والحياة وسبل العيش والتكيف.
كما قُدمت التزامات لتجديد موارد صندوق المناخ الأخضر، وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 3 مليارات دولار أخرى لدعمه. وأعلن البنك الدولي خلال أيام عمل المؤتمر عن زيادة في تمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ بمبلغ 9 مليارات دولار سنويا في الفترة بين 2024 و2025.
كما شهدت الأيام الأولى من المؤتمر التوقيع على إعلان "كوب 28 بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي"، وهو الاتفاق الأول من نوعه في تاريخ مؤتمرات المناخ، ووصل عدد الموقعين على الاتفاق إلى أكثر من 150 دولة داعمة.
ودعمت أكثر من 130 دولة تعهد كوب 28 بزيادة القدرة الإنتاجية ومصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، كما دعمت نحو 135 دولة إعلان كوب 28 بشأن المناخ والصحة لتسريع الإجراءات الرامية إلى حماية صحة الناس من التأثيرات المناخية المتزايدة، وشهد المؤتمر خلال أسبوعين من العمل أيضاً الإعلان عن تعهدات وتفاهمات في مجال التمويل المناخي والهيدروجين منخفض الانبعاثات والإغاثة والتعافي والسلام.
مخاوف وثغرات
وعلى الرغم من الإشادة الكبيرة التي حظي بها اتفاق كوب 28 من قادة دول العالم والمنظمات المعنية والمجتمع المدني، لأنه يسلط الضوء للمرة الأولى على المتسببين الحقيقيين بأزمة المناخ، فإن هناك مخاوف من ترك ثغرات خطيرة توفر لصناعة الوقود الأحفوري مخرجاً للهرب اعتماداً على تقنيات غير آمنة وطرق غير مثبتة مثل احتجاز الكربون وتخزينه، والطاقة النووية.
ويتضمن احتجاز الكربون وتخزينه تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر الانبعاثات، ونقله ثم تخزينه أو دفنه في موقع عميق مناسب تحت الأرض.
ولا تزال البلدان النامية تعتمد على الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة والدخل وفرص العمل، وتحتاج إلى ضمانات قوية للحصول على الدعم المالي الكافي في تحولها العاجل والعادل إلى الطاقة المتجددة.
ورغم أن الاتفاقية تترك ثغرات مفتوحة من شأنها أن تسمح بمواصلة استخدام الفحم والنفط والغاز، فإن بعض خبراء المناخ يقولون إنها تمثل فعلا بداية النهاية لعصر الوقود الأحفوري.
وبينما لا يُلزم الاتفاق الدول بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، فإنه يفتح المجال للمزيد من المفاوضات والمساومات مستقبلا، مع التأكيد على ربط الدول أقوالها بالأفعال، وأن تُحدِث هذا الانتقال خلال السنوات القليلة القادمة قبل أن تقع الكارثة.
إرسال تعليق