أشارت دراسة جديدة إلى أن الديناصورات قد تعرضت لمستويات سامة من الزئبق الذي وجد على سطح الأرض وذلك قبل انقراضها، نتيجة لما أحدثه ارتطام كويكب تشيكسولوب بالأرض قبل 66 مليون عام.
 
وتفتح نتائج الدراسة الجديدة التي نشرت في دورية نيتشر كوميونيكيشنز في 16 من ديسمبر/كانون الأول الجاري باب النقاش مجددا في الجدل الذي طال أمده عن الكيفية التي أدت إلى انقراض الديناصورات.
 
فعلى الرغم أن بعضا من العلماء يرى أن ذلك الارتطام المروع بالأرض هو ما أفضى إلى فناء الديناصورات، فإن البعض الآخر يرى أن ثمة أشياء أخرى أدت إلى انقراضها.
 
ارتطام كويكبي أم انفجار بركاني؟
بدأت الانفجارات البركانية العنيفة قبل عشرات الآلاف من السنين التي سبقت ذلك الارتطام الكويكبي المروع، لذا يعتقد العلماء أن الحمم البركانية هي ما فاقمت من تأثير حدوث الانقراض المأساوي الذي أودى بحياة ثلاثة أرباع الحياة على الأرض. 
‪صورة تخيلية لارتطام كويكب تشيكسولوب بالأرض (يوريك ألرت)‬ صورة تخيلية لارتطام كويكب تشيكسولوب بالأرض (يوريك ألرت) 
‪صورة تخيلية لارتطام كويكب تشيكسولوب بالأرض (يوريك ألرت)‬ صورة تخيلية لارتطام كويكب تشيكسولوب بالأرض (يوريك ألرت) 
وتنتج الأنشطة البركانية الزئبق -أحد منتجاتها الرئيسة على سطح الأرض- وهو مادة كيميائية سامة، وعندما يضرب هذا العنصر طريقا في المحيط، يتفاعل بشدة مع محتواه العضوي. إذ يتم استهلاكه بسهولة بواسطة العوالق النباتية التي تتغذى عليها الرخويات فيما بعد.
 
وبفحص بعض الرخويات المتحجرة حول العالم، أسند العلماء السبب في زيادة نسب الزئبق وثاني أكسيد الكربون إلى سلسلة الانفجارات البركانية المستمرة والتي كونت مصاطب ديكان (Deccan Traps) الموجودة في وسط غرب الهند، التي تعد أشهر المعالم البركانية في العالم. 
 
واستمرت هذه الأحداث لما يقرب من مليون عام، وذلك خلال فترة الانقراض الذي حدث بين العصرين الطباشيري والثلاثي. لذا اعتقد العلماء أن نشاط ديكان البركاني كان له الأثر العالمي الأكبر على المناخ والبيئة، الذي امتد لفترات طويلة وذلك بعدما قاموا بتحليل أصداف مصاطب ديكان.
 
ويقول عالم البيئة كايل ماير -الباحث الأول في هذه الدراسة من جامعة ميشيغان- فيما ذكره موقع ساينس أليرت "يقدم بحثنا -للمرة الأولى- رؤى جديدة حول التأثيرات المناخية والبيئية الناجمة عن نشاط منطقة ديكان البركانية، وذلك بتحليل عينة واحدة".
 
أصداف مصاطب ديكان دليلا
تعتبر السجلات الرسوبية قاصرة، إذ لا يمكنها الربط بين انبعاثات الزئبق والتغيرات المناخية العالمية، إلا أن هذه الدراسة قد تغلبت على هذا الأمر.
‪مصاطب ديكان، أحد المعالم البركانية الشهيرة (ويكيبيديا)‬ مصاطب ديكان، أحد المعالم البركانية الشهيرة (ويكيبيديا) 
‪مصاطب ديكان، أحد المعالم البركانية الشهيرة (ويكيبيديا)‬ مصاطب ديكان، أحد المعالم البركانية الشهيرة (ويكيبيديا) 
وتضيف سييرا بيترسن -عالمة الكيمياء الجيولوجية من جامعة ميشيغان- "لقد رصدت من قبل بعض المفارقات في نسب الزئبق في الرواسب، إلا أنه لم يوثق أي وجود لها في أصداف مصاطب ديكان. لذا فإن امتلكنا القدرة على إعادة بناء الشكل الذي كان عليه المناخ وكذلك النشاط البركاني من عينة واحدة، فإننا نتمكن من التأريخ النسبي لمعظم هذه التساؤلات المهمة".
 
واستطاع العلماء قياس نسب ثاني أكسيد الكربون وكذلك الزئبق خلال الحقب الزمنية المختلفة التي شملت العصر الطباشيري المتأخر والعصر الجليدي والعصر الحديث، وذلك من خلال جمعهم وتحليلهم للأصداف المتحجرة في كل من القارة القطبية الجنوبية وألاباما وألاسكا وكذلك كاليفورنيا وواشنطن والأرجنتين، فضلا عن الهند ومصر وليبيا والسويد.
 
تزايد في نسب الزئبق السام
أظهرت نتائج الفريق -في تطابق مع نتائج أبحاث سابقة- حدوث احترار مفاجئ قبل حوالي 250 ألف عام، وهو ما يسبق حدوث الانقراض الجماعي الذي أفنى الديناصورات.
 
الأهم من ذلك أن ذلك الاحترار العالمي قد تزامن مع زيادة مستويات نسب الزئبق منذ ما يقرب من 68 إلى سبعين مليون عام، وبالتالي فإن هذا النشاط البركاني العنيف قد خَلَق غطاء من الحمم بلغ سمكه مئة متر.
 
لذا يعتقد العلماء أن التأثير المناخي كان مدفوعا بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون البركانية، وهي الفترة ذاتها التي تناقصت فيها تعددية الأنواع البيولوجية وانقرضت فيها الخلايا البدائية المُقوقَعة والمعروفة بالفورامينيفيرا. 
‪قواقع الفورمينيفيرا الموجودة في الرسوبات البحرية (ويكيبيديا)‬ قواقع الفورمينيفيرا الموجودة في الرسوبات البحرية (ويكيبيديا)
‪قواقع الفورمينيفيرا الموجودة في الرسوبات البحرية (ويكيبيديا)‬ قواقع الفورمينيفيرا الموجودة في الرسوبات البحرية (ويكيبيديا)
اندهش العلماء للتشابه الجم الذي وجدوه عندما قاموا بمقارنة البيانات التي حصلوا عليها، مع ما هو متوافر في موقع للصناعة شديد التلوث بالزئبق في الولايات المتحدة الأميركية، الذي يمنع فيه اصطياد السمك وتناوله.
 
ويصف ماير هذا التشابه قائلا "كان شيئا لا يصدق عندما وجدنا أن تركيزات الزئبق المرتفعة في العينات التي ارتبطت بالارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة، هي التركيزات نفسها في الموقع المقارن شديد التلوث بالزئبق".
 
ورغم أن هذه الدراسة أوضحت احتمالية جديدة لفناء الديناصورات بسبب سمية الزئبق، فإننا ما زلنا بحاجة لإجراء مزيد من الأبحاث وكذلك تحليل الحياة البحرية لتأكيد هذه النتائج.
 
وهو ما يشير إلى أن الحياة البحرية المتحجرة قد توفر رؤى فريدة حول الانقراض الجماعي والتغيرات المناخية التي حدثت في الماضي.
المصدر : الجزيرة

Post a Comment

أحدث أقدم