تعاني كثير من الأمهات من حالة صدمة مع بداية سنوات المراهقة الأولى لطفلها، فيتحول الطفل المطيع إلى متمرد ثائر، وفي بعض المواقف قد يتجرأ على والديه. وعندما تجد الأم أن طفلها قد تجاوز كثيرا من الحدود، وتجرأ في التعامل معها، تساورها الشكوك بشأن مدى مسؤوليتها عن ذلك السلوك.

ويمكن للمراهق أن يتفوه أحيانا ببعض العبارات غير اللائقة، لكنها غالبا ما تحتوي على بعض الحقائق التي يمكن أن تجعلها أكثر إيلاما. وتعتقد ريم مصطفى عمران، استشارية التربية وأخصائية تعديل سلوك الأطفال وصعوبات التعلم، أن الطفل يمضي كثيرا من حياته يراقب ويلاحظ أفعال والديه، وتحديدا، الأم باعتبار أنها تقضي أكثر الوقت معه، ويخزن تلك الأفعال ليعيد إنتاجها مرة أخرى بعد ذلك.

وتقول ريم للجزيرة نت "الطفل مرآة أمه، يعكس سلوكها وتصرفاتها طوال الوقت. إذا كانت تصرخ فيه وتنتقده، فمن الطبيعي أنه عندما يشب ويمتلك القدرة والقوة سيصرخ هو الآخر ويتجرأ عليها".

1يؤدي الملل إلى شعور المراهق إلى القلق والإكتئاب والميل إلى الإنعزال- (بيكسلز).
من المهم أن يرى الطفل عواقب تجاوزه وبصورة فورية (بيكسلز)

ماذا يعني التجرؤ على الأم؟

تعرف ريم التجرؤ أو التجاوز بحق الأم، بأنه أي سلوك لفظي أو جسدي يمثل تطاولا أو تحديا، يقوم به الطفل تجاه والدته نتيجة شعوره بالغضب أو الضيق أو الضغط.

ومع ذلك، تؤكد ريم أنه لا يمكن وصف فعل بأنه "متجاوز" في المطلق، ويجب النظر إلى كل حالة على حدة، وقياس الموقف حسب طبيعة علاقة الأم بالطفل.

وتوضح ريم "هناك مواقف يمكن أن يراها الآخرون تجاوزا، لكن الأم تراها أمرا عاديا. فالأمر يتوقف عند طبيعة العلاقة بينهما وتربية الأم وما إذا كانت قد وضعت حدودا له لا يسمح له بتجاوزها أم أنها لم تضع قواعد للتعامل، وتقبل منه أي سلوك أو قول أو فعل يقوم به".

لماذا يتجرأ طفلك عليك؟

بجانب شكل تربية الطفل وطبيعة علاقته بأمه، هناك أسباب أخرى تذكرها ريم عمران تؤدي إلى تطاول أو تجرؤ الطفل على أمه، من بينها أسباب تتعلق بالطفل نفسه، وأسباب أخرى تسهم الأم فيها:

  1. عدم قدرة المراهق على التحكم في الغضب: افتقار الطفل لتعلم مهارات إدارة الغضب منذ الصغر يؤدي إلى مراهق غاضب وسريع الانفعال.
  2. عدم وجود حدود واضحة بين الأم والطفل: فشل الأم في وضع حدود معينة للطفل منذ الصغر والسماح له بالتدخل في كل التفاصيل الحياتية حتى بين الأبوين يؤدي إلى مراهق متجاوز.
  3. التخلي عن السلطة الأبوية والسماح للطفل بالسيطرة على الأسرة: يحدث في حالات غياب الأب أو طلاق الأبوين، مثلا، أن تعطي الأم مساحة أكبر للطفل للتدخل في حياتها، مما يسمح له بعد ذلك بالتجاوز والتجرؤ عليها باعتباره "رجل البيت".
  4. غياب الأم عاطفيا مع الطفل: مع افتقار الطفل لمشاعر الحب والدفء من الأم يصبح أكثر جمودا وعنفا تجاهها.
  5. إسقاط الإحباطات والضغوطات على الطفل: وهو ما يجعل الطفل يشعر بالضغط المستمر، ويسهّل الانفجار في وجه الأم عند أي محادثة.
  6. اللوم والنقد الدائم للطفل: يفقد الطفل ثقته بذاته، وقد يقابله في وقت ما بنقد حاد للأم.
  7. الصراخ على الطفل وتأنيبه بكلمات جارحة: حينها تسقط الحدود بين المراهق وأمه، ويتجاوز عليها في الرد، مما يثير استياءها أكثر، وتزيد تعنيفها له يقابله تجاوز أكبر من ناحية الابن، فتتصاعد الأمور بين الطرفين.
الطفل مرآة أمه، يعكس سلوكها وتصرفاتها طوال الوقت (غيتي)

الحل قبل تفجر الأزمة

تذكر ريم أن هناك قاعدة عامة في تعديل السلوك تشير بوضوح إلى أنه عند تعديل أي سلوك لا بد من معرفة السبب الذي يدفع الشخص لانتهاجه ومعالجته، مما يؤدي إلى تغير السلوك بصورة تلقائية، وأضافت "هناك حالة لمراهق تجرأ على أمه بأصعب الألفاظ التي يمكن تخيلها، لأنها فكرت في الزواج بعد الانفصال عن والده، وبعد جلسات عدة اكتشفنا أنه يعاني من فرط التعلق بوالدته".

وتابعت ريم  "هناك -أيضا حالة- طفلة 10 سنوات، دائمة التجرؤ على والدتها مع أنها تتعامل مع الآخرين بصورة جيدة جدا، وبالبحث في حالتها وجدنا أنها تعاني من الرفض وعدم القبول من ناحية والدتها، لأن الأم بعد طلاقها دخلت في حالة نفسية شديدة جعلتها تشعر أنها تكره طليقها، وكل ما يتعلق به، ومن بينها البنت، التي شعرت لسنوات بكره أمها لها ورفضها لها، مما جعلها دائمة التجاوز والرد عليها بطريقة سيئة".

الأم التي تعاني من الضغوط النفسية والعصبية لا تستطيع أن تنشئ طفلا هادئا (بيكسلز)

ومع ذلك، تذكر ريم أن هناك قواعد عامة وطرقا، يمكن اتباعها تمنع تجاوز الطفل، منها:

  1. التحكم وإدارة الغضب بالنسبة للأم والطفل: الأم التي تعاني من الضغوط النفسية والعصبية لا تستطيع أن تنشئ طفلا هادئا. على الأم في حالة الغضب أن تأخذ نفسا عميقا، أو تقوم بغسل وجهها بماء بارد، أو تأخذ وقتا مستقطعا من النقاش مع الطفل حتى تهدأ. في الوقت نفسه، على الأم مساعدة الطفل من عمر صغير على تعلم مهارات إدارة الغضب، حتى ينشأ شخص يستطيع التحكم في غضبه.
  2. العلاقة الصحية بين الأم والطفل. الأم ليست صديقة لأطفالها بالمعنى العام، من المهم أن تتقرب الأم من أطفالها، وتستمع إلى مشاكلهم، لكنها تبقى أما مسؤولة عنهم، وتضع قواعد في التعامل، ولا يسمح لهم بتجاوزها.
  3.  وضع حدود واضحة بين الأم والطفل: يبدأ وضع الحدود من الصغر كأن لا يدخل الطفل غرفة الأم دون استئذان، وألا يقاطعها أثناء الكلام وألا يتدخل في أحاديثها مع الغير.
  4. التواصل الفعال بين الأم والطفل: يجب تذكير الطفل بأنه يتمتع بالسلطة الكاملة على الاختيارات التي يتخذها، لكن أيضا مع تذكيره بأن الأم تقيم نتائج اختياراته، وتحفيزه على اتخاذ خيار سيكون له نتائج إيجابية.
  5. دعم الطفل لاتخاذ خيارات إيجابية بشأن دراسته وتعامله مع زملائه ومساعدته في التوصل إلى خطة تساعده على القيام بذلك.
  6. عدم الإفراط في مشاركة الطفل في تفاصيل حياة الأم أو العلاقة بين الأب والأم سواء جيدة أو سيئة.
  7. العواقب: من المهم أن يرى الطفل عواقب تجاوزه وبصورة فورية. على الأم تحديد العواقب المناسبة وتطبيقها فورا، حتى يشعر بتأثير ذلك، كأن تقوم بسحب هاتفه أو منعه من زيارة صديق كانت معدة سلفا.
  8. الاعتذار: من المهم أن يتعلم الطفل قيمة الاعتذار عن الخطأ منذ الصغر وأفضل طريقة لتعليمه ذلك هو أن تكون الأم ذاتها قدوة، وتعتذر إذا أخطأت، حتى لو كان ذلك الاعتذار لطفلها.
المصدر : الجزيرة

Post a Comment

أحدث أقدم