يمتلك الرضيع مهارات التواصل بالفطرة، لكن محاولة تخمين رغباته وفك رموز كلماته الأولى تمثل تحديا كبيرا، ولا سيما أنه لا يتقن من وسائل التعبير في المرحلة التي تسبق النطق والكلام سوى البكاء.
ومن هنا ظهر اتجاه تربوي على مدى العقود القليلة الماضية يعتمد على تعليم الرضع والأطفال الصغار لغة الإشارة كوسيلة مبتكرة للتواصل غير اللفظي والتعبير عن احتياجاتهم باستخدام عدد من الإيماءات الرمزية.
بداية الفكرة
تم التوصل إلى هذه الطريقة عندما لاحظ الدكتور جوزيف جارسيا قائد حركة لغة الإشارة للأطفال أن أطفال الآباء الصم يتواصلون بشكل روتيني من خلال لغة الإشارة في عمر 6 أشهر، أي قبل عام مقارنة بالأطفال الذين يسمعون اللغة المنطوقة من والديهم، وفي عام 1987 أظهر بحثه أن الأطفال الذين تعلموا لغة الإشارة بشكل منتظم ومستمر في عمر 6 أو 7 أشهر استطاعوا استخدامها على نحو فعال في غضون شهرين أو 3 أشهر، كما أن مهاراتهم اللغوية تنمو في وقت مبكر.
ما مدى صعوبة تعليم الأطفال لغة الإشارة؟
يشير خبراء تنمية الطفولة المبكرة إلى أن تعليم الأطفال لغة الإشارة ليس بالأمر الصعب، لأن مهاراتهم الحركية تتطور في وقت مبكر بخلاف العضلات المسؤولة عن النطق في الفم واللسان، كما أن الطفل يميل إلى تقليد البالغين بكل سهولة ويصبح قادرا على الربط بين الإشارات ودلالتها عند عمر 8 أشهر، فنجده يلوح بيده ويجيد إيماءات الرأس للتعبير عن الموافقة، ويهز رأسه يمينا ويسارا تعبيرا عن الرفض، وبالطريقة نفسها يمكن تدريبه على إشارات ودلالات مختلفة.
شكل مبكر للتواصل
بدورها، توضح كايل مونك طبيبة الأطفال المعتمدة في لوس أنجلوس لموقع "وات إكسبكت" أن لغة الإشارة تعد فرصة للتفاعل الإيجابي مع الطفل ومساعدته على التواصل غير اللفظي، والتعبير عن احتياجاته قبل أن يتمكن من التعبير عنها لفظيا.
وبحسب مونك، فإن هذه الطريقة تسمح بتعزيز ثقة الطفل بنفسه، وكأن لسان حاله يقول" لقد فهموني"، مما يحفزه على مزيد من التواصل من خلال الإشارات حتى يتمكن من اللغة المنطوقة.
نصائح قبل البدء
إذا قرر أحد الوالدين تعليم طفله لغة الإشارة يوصي اختصاصيو اضطرابات النطق واللغة بالآتي:
البدء في عمر مناسب: ينبغي البدء بمجرد أن يُظهر الطفل اهتماما بالتواصل، ويفضل أن يكون ذلك في عمر 6 إلى 8 أشهر.
التركيز على الإشارات التي تلبي احتياجات الطفل اليومية وتشكل عالمه، مثل الجوع والعطش والنوم والحليب وغيرها.
التكرار: ينبغي تقديم ما بين إشارة إلى 3 إشارات في المرة الواحدة مع الالتزام بإشارة ثابتة لكل دلالة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يعبر النقر على الشفتين بأطراف الأصابع عن الرغبة في تناول الطعام، وتلامس أطراف أصابع اليد اليمنى واليسرى معا يشير إلى الرغبة في المزيد، وفتح اليد مع الضغط بالإبهام على الذقن يعني "الأم"، أما الضغط على الجبهة فيشير إلى الأب.
التحلي بالصبر: يبدأ الرضيع في تقليد الإشارات بعد شهر أو شهرين من تكرارها أمامه بشكل منتظم، لذا لا داعي للقلق إن لم يستجب طفلك للإشارات على الفور.
تعزيز الإشارات الخاصة بالطفل: يميل الطفل إلى التعبير عن رغباته باستخدام إشارات خاصة به، وما يهم هو المعنى المتفق عليه وليس الإشارة في حد ذاتها.
الجمع بين الإشارات والتعبير اللفظي: ينبغي نطق الكلمة بوضوح عند التعبير عنها بلغة الإشارة، فمثلا عند الرضاعة أو إعطاء الطفل زجاجة الحليب ينبغي قول كلمة "حليب" بوضوح، مع الإشارة بقبضة يد مفتوحة ومغلقة (إشارة تحاكي عملية حلب البقرة).
تعزيز التفاعل ثنائي الاتجاه: إذا أشار الطفل بحاجته للشرب ينبغي الرد لفظيا: هل تريد أن تشرب؟ سأحضر لك شيئا تشربه، ويعد هذا التفاعل من أفضل الطرق لتطوير الكلام واللغة.
فوائد نفسية ومعرفية
سواء اعتمد مقدمو الرعاية على لغة الصم الرسمية أو برنامج "ماكاتون" أو ابتكروا إشارات خاصة فإن استخدام الإشارة يوفر للأطفال العديد من الفوائد، وتقول عالمة النفس الدكتورة جوينيث سنيدون من جامعة ستيرلينغ البريطانية لموقع "سايك سنترال" إن التواصل هو جوهر نمو الطفل، سواء كان معرفيا أو سلوكيا أو اجتماعيا أو عاطفيا.
وبينت سنيدون أن تعلم لغة الإشارة يعزز مفردات الرضيع ونموه العقلي ويقلل نوبات الغضب ويحسن العلاقة بين الوالدين والطفل من خلال تقليل التخمين في فهم أفكاره.
وبحسب الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، فإن لغة الإشارة تعمل على:
كسر حاجز اللغة: يفتقر الرضيع إلى المهارات اللفظية للتعبير عما يحتاج إليه أو يشعر به، مما يتسبب في شعوره بالإحباط، ولا سيما في الفترة ما بين 8 أشهر و18 شهرا، وهنا تلعب لغة الإشارة دورا في سد فجوة التواصل مع من حوله.
تعزيز الترابط بين الطفل والوالدين: توفر لغة الإشارة فرصة للتفاعل الإيجابي وتحقيق المتعة والمرح للطفل.
هل تؤخر لغة الإشارة نطق الأطفال؟
لا تشكل لغة الإشارة إعاقة أمام تعلم الطفل الكلام والنطق، بل ربما تعززه، هذا ما أشارت إليه لين ريبيلو إحدى مدربات لغة الإشارة للأطفال لموقع "توداي".
وأوضحت ريبيلو أن الأبحاث العلمية تشير إلى العكس تماما، وأن لغة الإشارة تسرع قدرة الأطفال على الكلام وتنمي مهاراتهم اللغوية.
وبحسب ريبيلو، عندما يستطيع الطفل التعبير عن احتياجاته بالكلمات ينتقل بسهولة من لغة الإشارة إلى اللغة المنطوقة.
كذلك، أظهرت نتائج دراسة علمية أجرتها الطبيبتان ليندا أكريدولو وسوزان جودوين بتمويل من المعهد الوطني للصحة تفوق المستوى اللغوي للأطفال الذين تعلموا لغة الإشارة وقدرتهم على استيعاب الكلمات وتكوين جمل أطول في عمر عامين مقارنة بمجموعة الأطفال الذين استخدموا الاتصال اللفظي، وفي سن الثامنة ارتفع ذكاء أفراد المجموعة التي تعلمت لغة الإشارة بمعدل 12 نقطة رغم توقفهم عن التعامل بالإشارات منذ فترة طويلة.
إرسال تعليق