أعلنت شركة التكنولوجيا العملاقة سيسكو عن خطوة إعادة الهيكلة التي ستشمل تسريح الآلاف من الموظفين، وهي ليست الوحيدة.
فمنذ بداية العام، قامت 141 شركة تكنولوجيا بتسريح 34300 موظف، وذلك على الرغم من أن معظم هذه الشركات أظهرت أداء ماليا ممتازا.
فلماذا إذن يستمر فصل العمال، حتى عندما تشير كل البيانات إلى أن الوقت قد حان للعودة إلى التوظيف؟ هذا ما يتناوله تقرير لموقع "كالكاليست" العبري.
يذكر التقرير أنه من المتوقع أن تعلن شركة التكنولوجيا العملاقة سيسكو هذا الأسبوع عن عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق ستشمل تسريح آلاف الموظفين.
وليس من المعروف بعد ما إذا كانت هذه الخطوة مرتبطة بأداء أضعف من المتوقع، حيث لن يُنشر التقرير ربع السنوي للشركة إلا يوم الأربعاء. لكن ما هو معروف أنها ليست الوحيدة، وأنه في حالات أخرى قامت شركات تكنولوجيا بارزة مؤخرا بإجراء تخفيضات بدرجات متفاوتة، حتى في الوقت الذي كانت إيراداتها وأرباحها في ارتفاع.
ووفقا لبيانات موقع "لاياوفس.إف واي آي" الذي يرصد حجم عمليات تسريح العمال في قطاع التكنولوجيا، فقد قامت 141 شركة تكنولوجيا منذ بداية العام بتسريح 34300 موظف.
وتتضمن القائمة بالفعل عمليات تسريح موظفين نتيجة إغلاق بعض الشركات ذات الأداء الضعيف، ولكنها شملت أيضا خفضا لدى جميع عمالقة التكنولوجيا تقريبا، وخاصة تلك التي قدمت أداء ماليا ممتازا في تقريرها ربع السنوي الأخير.
وقامت مايكروسوفت بتسريح 1900 عامل قبل خمسة أيام من الإعلان عن قفزة بنسبة 17.6٪ في الإيرادات إلى 62.02 مليار دولار.
كما قامت شركة غوغل بتسريح أكثر من ألف عامل، وكانت على وشك الإبلاغ عن زيادة بنسبة 13٪ في الإيرادات لتصل إلى 86.31 مليار دولار. وخفضت أمازون ما يقرب من ألف موظف رغم زيادة الإيرادات بنسبة 14% لتصل إلى 169.96 مليار دولار؛ وقامت شركة ميتا بتسريح العشرات من الموظفين رغم قفزة الإيرادات بنسبة 25% إلى 40.11 مليار دولار.
كما سُجلت جولات من التسريح من العمل في شركات أصغر. ومن بين أمور أخرى، قامت شركة زوم بتسريح 150 موظفا (2% من قوتها العاملة)، وباي بال 2500 موظف (9% من القوى العاملة) رغم زيادة الإيرادات بنسبة 9% إلى 8.03 مليار دولار، وديسكورد 170 موظفا (17%)، وتيك توك 60 موظفا.
أما شركة ساب فقامت بتسريح 8000 (7% من القوى العاملة) رغم زيادة الإيرادات بنسبة 5% إلى 8.47 مليار دولار، وإي باي سرحت 1000 (9%)، وسناب تشات الشركة الأم سرحت 540 موظفا (10% من القوى العاملة في الشركة) رغم زيادة الإيرادات بنسبة 5% إلى 1.36 مليار دولار.
ورغم أن هذه الجولات في معظمها ليست واسعة النطاق مثل موجات التسريح الكبيرة في عامي 2022 و2023، فإنها لا تزال كبيرة وملحوظة بشكل خاص على خلفية اختلاف الوضع الاقتصادي الحالي مقارنة بالعام الماضي.
وبحسب التقرير واجه الاقتصاد العالمي في ذلك الوقت أزمة اقتصادية وخوفا من التضخم المتفشي، مما أدى إلى إلحاق ضرر كبير بالأداء المالي لجميع شركات التكنولوجيا تقريبا. كما عانى هؤلاء من ارتفاع حجم النفقات نتيجة التجنيد المكثف على خلفية المد الذي شهدته فترة كورونا.
لكن في العام الماضي، قامت الشركات بتحركات كبيرة لرفع كفاءة العمل (في ميتا عرّف مارك زوكربيرغ عام 2023 بأنه "عام الكفاءة")، وخفضت النفقات، وتخلصت من عدد كبير من الموظفين، وأعادت كلا من الإيرادات والأرباح إلى مسار النمو.
وفي عامها المالي الأخير، حققت أكبر خمس شركات (مايكروسوفت، وآبل، وأمازون، وغوغل، وميتا) إجمالي إيرادات بلغت 1.63 تريليون دولار؛ أي ما يزيد بنسبة 81٪ عن المبلغ الذي سجلته قبل خمس سنوات.
وقد كوفئت هذه الجهود من قبل المستثمرين، مما سمح للشركات بإضافة 3.5 تريليونات دولار لقيمتها الإجمالية.
فلماذا يستمر تسريح العمال حتى عندما تشير كل البيانات إلى أن الوقت قد حان للعودة إلى التوظيف، أو على الأقل وقف التخفيضات؟
أحد الأسباب هو بقايا التوظيف المكثف الذي قامت به شركات التكنولوجيا في فترة كورونا. فوفقا لصحيفة نيويورك تايمز، منذ نهاية عام 2019 وحتى بدء الجولات الكبيرة من تسريح العمال، ارتفع عدد الموظفين في شركات آبل وأمازون وميتا ومايكروسوفت وغوغل بأكثر من 900 ألف.
وفي العام ونصف العام الماضيين، وبسبب تحول الوضع الاقتصادي، ألغت الشركات نحو 112 ألف وظيفة. ومع ذلك، حتى اليوم يوظفون 2.16 مليون شخص، أي أكثر بنسبة 71٪ عما كان عليه قبل فيروس كورونا.
وقال مؤسس "موقع لاياوفس.إف واي آي" روجر لي لبلومبيرغ: "لا تزال شركات التكنولوجيا تحاول تقليل الوزن الزائد الذي حصلت عليه أيام الوباء، بالنظر إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة والاتجاه السلبي في قطاع التكنولوجيا أدت إلى استمرار عمليات التسريح فترة أطول من المتوقع". وأضاف: "مع ذلك، فإن الجولات الحالية من تسريح العمال غالبا ما تكون أصغر حجما وأكثر تركيزا من تلك التي حدثت في عام 2023".
وهذا يعني أنه إذا كانت الشركات قد نفذت في العام الماضي نوعا من عمليات تسريح العمال بسبب الذعر، والتي كانت تهدف إلى تقليل النفقات بأي ثمن وكذلك خفض التكاليف، فإن الخطوة الآن تجري بطريقة أكثر منهجية، وهي موجهة بشكل أساسي إلى وحدات الأعمال والأقسام التي لا تقدم الأداء الجيد بما فيه الكفاية.
ويقول تيم هربرت نائب رئيس الأبحاث في شركة "كومبتيا" التي تراقب اتجاهات التوظيف في قطاع التكنولوجيا من خلال تحليل إعلانات الوظائف: "إننا نمر بدورات كهذه؛ ترى تركيزا مكثفا على الابتكار، ثم يتأرجح البندول ويصبح التركيز منصبا على النتيجة النهائية".
وذكر التقرير أن هناك سببا آخرلهذه العمليات، وهو التغيير في تركيز العديد من الشركات على التطورات القائمة على الذكاء الاصطناعي، أو الانتقال إلى العمل باستخدام الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، من المحتمل ألا تؤدي كل خطوة تسريح للعمال إلى تقليل الوظائف، وأن تقوم الشركات ببساطة باستبدال موظفين ذوي مهارات معينة بموظفين ذوي مؤهلات أخرى.
ووفقا لتحليل أجرته شركة كومب تيا، ارتفع عدد الوظائف المفتوحة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أو التي تتطلب مهارات في هذا المجال من نحو 2000 وظيفة في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى 17479 وظيفة في يناير/كانون الثاني 2024.
كما ارتفع عدد الوظائف الشاغرة في يناير/كانون الثاني بمقدار 18 ألفا مقارنة بديسمبر/كانون الأول. ويبلغ معدل البطالة في القطاع 3.3% مقابل 3.7% بشكل عام في سوق العمل الأميركي.
هناك أيضا حالات يتم فيها خفض الوظائف بسبب التحول إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، فعوضا عن توظيف آلاف الموظفين كل ثلاثة أشهر، تُفضل الشركات الاستثمار في تطوير وتنفيذ قدرات الذكاء الاصطناعي.
ويعزز هذا الاتجاه ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرغ في محادثة مع المحللين بعد نشر التقرير ربع السنوي للشركة الأسبوع الماضي، فقد قامت شركة ميتا بتسريح العمال في يناير/كانون الثاني لخفض التكاليف، وقال حينها زوكربيرغ إنهم اتخذوا هذه الخطوة "حتى نتمكن من الاستثمار في رؤية طويلة المدى وطموحة بشأن الذكاء الاصطناعي". وأضاف: "نحن نعمل بشكل أفضل عندما نكون أكثر رشاقة كشركة".
وقال الرئيس التنفيذي لشركة التوظيف "إنسايت غلوبال" بريت بين لبلومبيرغ: "أشعر أن معظم عمليات التسريح من العمل قد حدثت بالفعل، وأن الشركات ستبدأ في التعافي". وأضاف: "لكن الوضع لا يزال غير مؤكد للغاية، وستظل السوق على هذا النحو لمدة، حتى يخفض بنك الاحتياط الفدرالي سعر الفائدة مرة أخرى".
إرسال تعليق